الجمعة، 23 يونيو 2017

جمالية الومضة القصصية (تقديم لأضمومة دموع و شموع) بقلم الكاتب و الناقد المغربي/ أبو إسماعيل أعبو

جمالية الومضة القصصية
(تقديم لأضمومة دموع و شموع)
بقلم الكاتب و الناقد المغربي/ أبو إسماعيل أعبو
الومضة القصصية جنس نسقي، تتناسق ضمنه كلمات، تمت الواحدة منها بصلة وثقى بسابقتها و بلاحقتها، مما يجعلها بنية متعالقة، ترتهن بعلاقات تقام بين كلمات، لا مجال فيها لماهية اعتباطية، فكل كلمة تحتل في مكامنها ركنا كيانيا، و تلقي بظلالها الوارفة على باقي الكلمات، التي قد تترسم سوية لومضاتها القصصية ما شاءت من التوسيمات الجنسية الشكلية، و البلاغية، و الدلالية، مختطة لنفسها احتمالات عدة للحكي، و احتمالات عدة للقراءات التي تنقدح بفضلها شراراتها و يرتهن بها وجودها.
و لعل الومضات القصصية، التي أومضها الأديب القاص مجدي الشلبي، بين دفتي هذا الكتاب المعنون "دموع و شموع"، تأتي في سياق استرسال تجاربها، فهو دأب على إيماضها بإصرار لا يلين، و بمرجعية ثقافية باذخة منذ حين من الزمن، حتى أنه استوفى بها كتابه الخامس عشر الذي نتملى الآن طلعته. 
إن هذا الكتاب، يحمل في مكامنه أكثر من مئتي ومضة، تكشف عن ذائقة أدبية جديدة، إذ تنجم عن فكرة مقطرة، تختزل في كلمات مكثفة، و موجزة، و موحية، و مفارقة، و مباغتة بما لم يكن في الحسبان، و هي فكرة ليست مطلقة، أي قيد حرفيتها، و إنما هي فكرة نسبية تتطلع دوما إلى التحاور مع أفكار شتى، و مبارحة سياقها الدلالي إلى سياقات تأويلية أخرى، ذلك أنها ليست فحسب حصيلة العلاقات، التي تنشأ بين المستويات اللغوية المركبة لها، و إنما هي كذلك حصيلة الاحتمالات الدلالية، التي تستثار في سيرورة تلقياتها.
و إذ تنتظم الومضة القصصية لدى الكاتب مجدي الشلبي وفق هذا الانتظام، تأتي قائمة على بلاغة التفضية، التي تقرن المقول ببياضات دلالية، تبعث المتلقي على تدبرها ذهنيا، و ملئها دلاليا، مفترضا بما أوتي من كفاءة تأويلية، مقولا آخر يشكل في حد ذاته علاقة جدلية تفاعلية، بين ما افترضه و استدل عليه تأويلا، و ما افترضه الكاتب و استدل عليه كتابة.
بهاته التفضية، تستتيح الكتابة لقرائها إمكانية تجاوز ذاتها التقريرية، تجاوزا يبديها كتابة لا تحاكي الواقع محاكاة حرفية، و إنما تبدعه و تشرعه على مفارقاته، و بالتالي على اللامتوقع، أو ما يمكن أن يرهنه  بجدلية الصيرورة المجتمعية، و يجعله متعددا يتحرك على مستويات مختلفة من الواقع، فهناك واقع الحياة، و الواقع المفارقي الذي يبدعه الكاتب، و الواقع كما يتمثله المتلقي، و الواقع المترتب عن التفاعل بين هذا المتلقي ومقول النص، هكذا تستبدل الومضة القصصية لدى مجدي الشلبي، السياق المسبق المطابق للمرجع و الواقع الموضوعي، بسياق افتراضي مؤجل، يتحقق بعد كل قراءة، وفق لعبة جدلية تقوم على منطق السؤال و الجواب، مما يجعل الفهم يتخالف تبعا لتخالف السياقات القرائية، و الكفاءات التأويلية لكل قارئ، و لعل هنا تكمن متعة قراءة الومضات القصصية لأديبنا مجدي الشلبي ـ المبتكر لهذا الفن و الشغوف به و المبدع فيه ـ إنها متعة تصدر عن رؤية ساخرة، تستشف من خلال الثنائية المفارقية: (دموع و شموع)، التي عنون بها أضمومته، كما تستشف من خلال قراءة الومضات القصصية، التي تستدرجنا نتيجتها إلى عوالم المفارقات، و الانزياحات الاستبدالية، و الإيحاءات التعبيرية، و التنافرات الدلالية، بحيث نتلقى المقول و ننزاح عنه إلى مقول المقول، أو معنى المعنى حسب بلاغة عبد القاهر الجرجاني. 
بذا و ذاك تنكشف لنا فرادة نصوص المبدع المصري مجدي الشلبي، و تميزها، فهي منشرعة باحتمالاتها على المغاير، الذي ترتاد به آفاقا إبداعية رحبة، و تثير الدهشة و السؤال عن سحر بيانها، و سر جماليتها. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الناقد/ أبو إسماعيل أعبو ـ المملكة المغربية