الجمعة، 23 يونيو 2017

قراءة في مجموعة (دموع و شموع) بقلم د.هداية مرزق (*):

قراءة في مجموعة (دموع و شموع)
بقلم د.هداية مرزق (*):
حقيقة الإبداع عشق و ولادة قيصرية، يجتهد المبدع أن تخرج فيه الفكرة جميلة جديدة مدهشة، فالمبدع الذي لا يدهش القارئ ليس بمبدع، و لكي يتميز و يدخل في مجال الاحترافية يجب أن يطل على القارئ بشكل جديد/ مولود متكامل الجوانب، بلغة تسحر العقول و تلامس القلوب، تماما مثلما حدث لي و أنا اقرأ المجموعة القصصية (دموع و شموع) للكاتب مجدي شلبي، بما تنطوي عليه من لغة شعرية جميلة، و تكثيف لغوي لا إخلال فيه بالمعنى، و أفكار مبتكرة مع كل ومضة من ومضاته التي جمعها تحت عنوان واحد يحمل من الدلالات الكثير..
إن مجموعة (دموع و شموع) حلقة من سلسلة كتابات/ انتجها "مجدي شلبي" في مجال الومضة القصصية، ما يجعل منه عارفا و مختصا، و متحكما بآليات و تقنيات هذا الفن. و إذا كانت العلاقة بين الفنون هي علاقة تقاطع  و تأثر و تأثير، فقد استفادت الومضة القصصية عند "مجدي شلبي" من السينما في بعض مشاهدها، و من القصيدة في شعرية لغتها، و من السرد في الزمكانية و الشخصيات و حركية أحداثها، دون أن يسقط عناصر يقوم عليها هذا الفن؛ من مفارقة، و سخرية... و الأنسنة في قصته (عبث) و التي يقول فيها: بين اليأس والرجاء  يتكرر المشهد: الشمس تفتح النافذة، الليل يغلقها. و غيرها من العناصر مثل التناص، و الانزياح اللغوي، و الدقة في وضع العنونة، و إثارة الدهشة لدى القارئ الذي يحاول الإجابة عن أسئلة في دلالات هذا الفن و صياغته ، و عميق أفكاره، و لغته الفنية، و مفارقته... إلخ.
إن القارئ لمجموعة مجدي شلبي يلاحظ انضباطا فنيا على مستوى عشرات الومضات القصصية هي محتوى هذه المجموعة، اندرجت تحت عنوان جامع (دموع و شموع)، و نظرا لأهمية العنوان كمواز نصي، و عتبة من العتبات الأكثر إثارة للقارئ، فهي أول لقاء له بالنص، تلقي باشعاعها على نصوص المجموعة، و توجه قراءة المتلقي، و تدفعه إلى عوالمه الظاهرة و الخفية " لتحقيق غاية فنية محددة متعلقة ببناء الومضة" بحثا عن دلالات العنوان. و بهذا يكون العنوان عتبة مركزية "تقوم برهانات فادحة في الإيقاع بالمتلقي"على حد تعبير محمد صابر عبيد، فاجتماع لفظتي (دموع) و ما تحيل عليه من حالة نفسية سواء في الحزن أو الفرح، و (شموع) و ما تحيل عليه من تضحية و احتراق من أجل اضاءة/ تنوير/ كشف الظلمة...إلخ في عنوان واحد يطرح أكثر من سؤال، و يعطي انطباعا عن واقع أرادت الومضة القصصية بعناوينها المختلفة التعبير عنه...
عنوان كهذا يتصدر المجموعة كالثريا على حد تعبير جاك دريدا، يلقي بضيائه و أشعته على نصوص المجموعة فينير كثيرا من جوانبها الخفية؛ كفيل باثارة القارئ، و جذبه إلى عوالم تتهادى داخل هذه الومضات القصصية... و لا نشك في حسن اختيار الكاتب لهذا العنوان لما له من فعالية قرائية تستحوذ على إجراءات التأويل...
و أخيرا و ليس بآخر فان هذه المجموعة استطاعت ان تعطينا انطباعا عن قدرة الكاتب على التحكم بآليات هذا الفن/ السهل الممتنع، فقد وضع تقنيات الومضة القصصية، و استطاع أن يبتعد عن الابتذال في لغته فجاءت جميلة دالة، معبرة عن الفكرة بعيدا عن الانفعالية و الجمل الإنشائية المبنية على الأحاسيس و المشاعر الذاتية، كما كانت جمله في مجملها تقوم على الفعلية بما تحمله من حركية و ديناميكية، تنقل و تغير وفق ما تقتضيه الومضة القصصية التي تنبني على التسارع في أحداثها منحدرة بقوة من جملة الاستهلال و التي تمثل ذروة الحدث، إلى القفلة /النهاية؛ ما أن تبدأ حتى تنتهي و كأنها تنفجر نحو النهاية بسرعة القذيفة، و بهذا و نظرا لما قامت عليه هذه المجموعة من فنيات و مواضيع هادفة تعبر عن واقع بصورة ساخرة تؤهلها لأن تكون لبنة من لبنات صرح الومضة القصصية في الأدب العربي، هي فعلا ومضات قصصية مكثفة تنم عن وعي صاحبها، و تحكمه بلغته التي يحركها بما يخدم الفكرة دون إسهاب و لا إطناب، و بهذا يسهم القاص مجدي شلبي في بناء صرح هذا الفن السردي المستقل بذاته، ليكون علما من أعلام الومضة القصصية في الوطن العربي. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د/ هداية مرزق: استاذة الادب المعاصر- الجزائر